rss

Posted by Amal Muraywed


آمال مريود في معرضها الأحدث الخزف في أفق مفتوح

ملحق ثقافي الثورة يومية سياسية
15/1/2008
م
د. محمود شاهين


شهدت صالة (أتاسي) للفنون التشكيلية بدمشق ما بين 3 و30 كانون الأول 2007 معرضاً للخزافة السورية المعروفة (آمال عصام مريود) ضم خمسين قطعة خزف متعددة الأشكال والحجوم، وثلاثة أعمال مجسمة منفذة من البرونز.

هذه الأعمال مجتمعة، تختزل بكثير من الوضوح والأمانة، تجربة هذه الفنانة المجتهدة، وبالتالي بحثها الفني الخاص الذي بدأته مطالع سبعينات القرن الماضي، ولا تزال تشتغل عليه حتى اليوم، بحيوية واجتهاد. يمثل المعرض شريحة هامة من الخزف الفني السوري المعاصر الذي يشتغل في مجاله، بشكل جدي ومواظب، عدة أسماء لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، لكن دون منهج واضح، يربط تجاربهم بأصول واتجاهات فن الخزف المحلي الذي وصل في بعض مراحله التاريخية، إلى قمة الرقي والتطور.

بالإضافة إلى المعارض الفردية (وهي قليلة ونادرة) التي تقام بين فترة وأخرى، لفن الخزف السوري المعاصر، تأوي نماذج مختلفة منه، إلى كنف معارض النحت الذي يعتبر الخزف الفني من أبنائه، أو إلى المعارض التشكيلية العامة، لاسيما المعرض السنوي للفنانين التشكيليين السوريين الذي تفرع مؤخراً إلى معرضين اثنين: الأول معرض الخريف لمن تجاوزت أعمارهم الأربعين عاماً من الفنانين التشكيليين، والثاني معرض الربيع لمن تقل أعمارهم عن الأربعين عاماً. هذه الأعمال كافية، لرسم صورة حقيقية لواقع هذا الفن الذي شهد حالة مدهشة من التطور، طاولت شكله كما طاولت مضمونه ومجالاته المتعددة. تتوزع التجارب الخزفية السورية عموماً، على ثلاثة أنواع هي: الخزف الاستعمالي، والخزف التزييني، والخزف التعبيري،

وفي طليعة الذين اشتغلوا على هذا الأخير، تأتي الفنانة (آمال مريود) التي منحت هذه الخامة طاقات إبداعية لافتة، جمعت فيها الخبرة والعفوية، والإتقان والبساطة، والابتكار والصنعة. أما تجربة الفنانة (اميلي فرح) فقد ناست بين الصيغ التي ارتبطت بتجربتها وبين محاولة الخروج منها، وتالياً الابتكار والتجديد، سواء على صعيد شكل العمل الخزفي، أو على صعيد وظيفته الاستخدامية. ويشتغل الخزاف (راجي الياس) عبر صحونه، على تجربة خاصة يعتمد فيها على حشد كبير من الزخارف والمنمنمات، يغطى بها كامل مساحة الصحن، ما يحوله إلى صمدية جدارية تزينية، تتلاقى ومرحلة عاشها الخزف العربي الإسلامي .. وللخزاف الراحل (عبد اللـه عبد الغني) تجربة قديمة ومهمة، مع هذا الفن، حصرها في المشهديات المجسمة التي اقتصرت في غالبها، على لونين اثنين هما: الأبيض والأزرق، طعمها بالكتابات والزخارف الهندسية والنباتية.

وللفنانة (ضحى القدسي) تجربة مهمة مع الجداريات المعلقة، ووجوه الطاولات التي تستخدم فيها أشكالاً نباتية وحيوانية، ضمن صياغات تزيينية زخرفية قادرة على تحريك مساحات واسعة من واجهات الأبنية أو أرضياتها. ومن الذين اشتغلوا في هذا المجال: هشام زمريق، رأفت الساعاتي، سناء فريد، عماد لاذقاني، نداء طنوس، إضافة إلى عدد من النحاتين الذين جمعوا في تجاربهم بين النحت والخزف ومنهم: عبد السلام قطرميز، فواز البكدش، نزيه الهجري، سمير رحمة... وغيرهم. واقع فن الخزف الفني السوري المعاصر، غير مرضٍ و مبعثر وبحاجة ماسة، إلى دراسة وتطوير منهجية، وهذا ما يحاول القيام به قسم النحت بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، من خلال توجيه عدد من طلبة الدراسات العليا فيه، لوضع دراسات أكاديمية علمية ممنهجة، حول واقعه الحالي، توطئه للخروج بنتائج وتوصيات، قادرة على النهوض به، وتطويره، وتعميق ارتباطه بموروثه الغني والأصيل، لاسيما بعد أن أصبح يشكل ركناً أساساً في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في جامعة حلب، ومراكز الفنون الأخرى التي تقوم بتدريس تقاناته وأصوله. تصنف تجربة الفنانة آمال مريود ضمن التجارب الأولى والمتقدمة في الخزف السوري الفني المعاصر، أبرز وأهم خصائصها، تحللها من الأطر والقواعد الكلاسيكية، لاسيما ما يتعلق بالجانب الاستعمالي والوظيفي، كما أنها، وفي أعمالها كافة، استبعدت دور "الدولاب" والأشكال المستديرة الممتلئة لصالح نزعة تجريدية تعبيرية مفتوحة على احتمالات عدة، لكنها عادت واستدركت ذلك في بعض أعمال معرضها الأخير بصالة "أتاسي" حيث قدمت مجموعة لافتة من الأعمال الممتلئة والمستديرة السطوح، سواء في تقنية الخزف أو في تقنية البرونز.

فبعد مرحلة اشتغالها الدؤوب على المسطحات واللوحات المعلقة، والصحون والصواني الرقيقة الزاخرة بالألوان الحارة والهادئة والعفوية الانسياح، عادت إلى المجسمات المختلفة في أشكالها وعناصرها، المفردة أو المركبة من عدة عناصر ثابتة ومتحركة التكوين। كما زاوجت في بعض أعمالها، بين المسطحات والمجسمات، مدفوعة بهاجس صحي وصحيح، هو البحث والتجريب واكتناه المجهول من التقانات والتشكيل الخزفي، وحتى في تجاربها البرونزية الثلاث، قدمت نفسها خزافة أكثر منها نحاتة، ذلك لأنها عالجتها من خلال رؤية خزفية واضحة، حيث السطوح البسيطة الملفوفة والمستمرة دون عوائق، والإحساس الطاغي بالحجم الكتلوي المنبثق من الداخل، غير أنها، جنحت في أعمال أخرى من معرضها الأخير، نحو لعبة التقانات وسحرها الماكر، ما أخرج هذه الأعمال عن خصائص الخزف ومقوماته، وأوقعها في هنات تشكيلية وتوليفية، أضرت بالتكوين وخلقت حالة من الشغب وعدم التوافق (لا شكلاً ولا مادة) بين عناصر العمل التي تركت معظمها قابلة للحركة والتغيير، كما أطلت نزعة زخرفية باردة، في عدد من الأعمال، لا تتماشى والعفوية التي تفردت بها تجربتها، وكانت أبرز وأهم خصائصها وقيمها، فقد سبق للفنانة آمال مريود وقدمت تشكيلات فخارية وبعفوية وصلت حد الطفولية، أو اللعب الحر غير الخاضع للمنطق الذي حكم الخزف ردحاً طويلاً من الزمن। ثم قامت ببعثرة ألوانها عليها، وفق المنظور نفسه، ما جعل أعمالها تغرق في بوح ذاتي خاص، وهذه النزعة شاعت في فرنسا ودول أجنبية أخرى عديدة، معلنة عن بداية جملة من الاختراقات لهذا الفن الذي وجد أساساً، لغاية استعماليه بسيطة، هي إسعاف الإنسان في ممارسة حياته اليومية، بيسر وسهولة. ومع تطور الإنسان، أخذت هذه القيمة الوظيفية المحددة تتصعد لتتماهى مع قيمة تزيينية تجميلية، استشرفت في تجارب بعض الخزافين، حالة رفيعة من التعبير العميق. مزاوجة القيمة الاستعمالية والقيمة الجمالية التعبيرية، في العمل الخزفي المعاصر، حسَّن من شكله، وشذب ألوانه، وأغنى حضوره بين أيدي الناس وفي بيوتهم وأماكن عملهم. بناءً على هذا، ترى الفنانة آمال مريود أن تقوم قطعة الخزف بتأدية وظيفة روحية معنوية، وأن لا يأسر الخزاف نفسه ضمن الإطار التقليدي المتوارث للفن الذي يتعامل معه، مثال ذلك أعمالها المنفذة على شكل مسطحات والتي اعتقد البعض أنها غير قادرة على تأدية مهمة (الصحن) والحقيقة برأيها، يكفي لهذا المسطح أن يتسع لتفاحة واحدة، ليكتسب القيمة الاستعمالية. عموماً، وبغض النظر عن تباين المستويات الفنية، في أعمال معرضها الأخير، تمضي تجربة الفنانة مريود في أفقها التجريبي المفتوح، متحللة من التقليدية التي أحكمت قبضتها على هذا الفن الذي رافق الإنسان منذ صيرورته الأولى، ولازالت هذه التقليدية قرينة وجوده الأساسية، حتى الآن، رغم اجتياح نزعات التجريب والبحث والتجديد له، والتي طاولت شكله ووظائفه وتقاناته. بقي أن نشير إلى أن الخزافة آمال مريود من مواليد دمشق عام 1953. حائزة على شهادة بكالوريوس إعلام وإعلان من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1975، وعلى شهادة جامعة الفنون التطبيقية العليا في باريس (قسم الخزف) عام 1991. درست هذا الفن في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق. أقامت العديد من المعارض الفردية لأعمالها في سورية وفرنسا، وشاركت في معارض جماعية كثيرة. نشرت كتاب "الرسوم والزخارف الإسلامية" الذي ترجمته عن الانكليزية، كما نشرت عدة مقالات حول تاريخ الخزف الإسلامي.

E - mail: admin@thawra.com

0 Responses to " "

Leave a Reply